هناك العديد من المشاكل النفسية الغير مفهومة في المجتمع العربي، حيث تلعب العوامل الثقافية والدينية والاجتماعية دوراً كبيراً في كيفية تشكيل الوعي عن الصحة النفسية والعقلية، ويعاني عدد كبير من الأشخاص عند طلب المساعدة بشأن المشاكل النفسية التي يواجهونها بسبب الخجل والمفاهيم الخاطئة والمعتقدات التقليدية عن العلاج النفسي أو طلب الدعم من قبل الدكتور النفسي,
ولا يجب لأي فرد أن يعاني بمفرده دون وجود دعم مهني مناسب أو أن يُنظر للمشاكل التي يعاني منها على أنها علامات ضعف أو نقص في الإيمان والشخصية.
أبرز المشاكل النفسية الغير مفهومة في المجتمع العربي
من المهم لدي كدكتور نفسي أعمل مع الأفراد في السعودية والإمارات والكويت والبحرين وسائر دول الشرق الأوسط تعزيز بيئة آمنة يتم التعامل فيها مع الصحة النفسية كأمر بالغ الأهمية وتستحق العناية بها، كما أعمل على نشر الوعي حول الاضطرابات النفسية التي غالباً ما يُساء فهمها.
1- الاكتئاب
غالباً ما أصدف خلال عملي في العيادة أو عبر تقديم العلاج النفسي أونلاين أفراداً يمتنعون عن طلب المساعدة المهنية بسبب شعورهم بالخجل من الاعتراف بأنهم يعانون من مرض غير مرئي.
وبسبب تجنبهم لتلقي العلاج تزيد لديهم الأعراض كالعزلة ومشاعر عدم القيمة بسبب ابتعادهم عن الأسرة والأصدقاء وتستمر الأعراض بالإشتداد حتى تصل للأفكار الانتحارية.
كما لاحظت أن العديد من الأطباء النفسيين يمكن أن يقللو من الأساس البيولوجي للاكتئاب أو ينظرون إليه باعتباره مجرد حزن، كما يمكن أن أن يقوموا بتفسير الأعراض الجسدية بشكل خاطئ بالإضافة لتشخيصه باعتباره اضطراب آخر غير الاكتئاب.
من وجهة نظري أرى أن الاكتئاب من أكثر الأمراض النفسية غير المفهومة في الشرق الأوسط حيث يعتبره الناس علامة تدل على ضعف الإيمان والكسل والدلال، ويعتقدون أنهم ببساطة يمكنهم الشفاء منه عن طريق التفكير بشكل إيجابي أو الإكثار من الصلاة، وهذه النظرة عن الاكتئاب هي ما تمنع الناس من طلب المساعدة المهنية المتخصصة.
2- اضطرابات القلق
تشمل اضطرابات القلق حالات عديدة كاضطراب القلق العام واضطراب الهلع والرهاب الاجتماعي.
لاحظت في الشرق الأوسط وفي الثقافة العربية بشكل عام نظر الأفراد للقلق على أنه عصبية طبيعية أو تفكير بطريقة مفرطة ، كما يقللون من أهمية اضطرابات القلق ويعتبروها جزء طبيعي من الحياة.
ونتيجة لإهمال اضطرابات القلق وعدم تلقي الرعاية والدعم المناسب ستستمر الضغوط بالزيادة ويمكن أن تتحول لأعراض جسدية مثل خفقان القلب والتعب وتراجع بجودة الحياة.
لقد وجدت أن عدد كبير من الأطباء النفسيين في الشرق الأوسط يخطئون في تشخيص القلق حيث يعتبروه سمة من سمات الشخصية أو علامة من علامات التوتر، أو يقومون بوصف الأدوية للأعراض الجسدية دون علاج المشكلة الحقيقية التي هي القلق، كما أن بعض الأطباء النفسيين لا يقومون بوضع خطة علاج شامل للقلق، حيث يصفون العلاج الدوائي ويتجاهلون العلاج السلوكي المعرفي، كما يمكن أن يكون العلاج غير فعال بسبب جهل الأطباء بالعوامل الثقافية والاجتماعية للأفراد.
3- اضطراب الوسواس القهري
وجدت أن معظم الأفراد في الشرق الأوسط وخاصة السعودية والإمارات والبحرين والكويت يعتقدون أن الوسواس القهري يتعلق فقط بالاهتمام المفرط بالنظافة أو النظام والترتيب.
كما لاحظت أنه غالباً ما يتم تجاهل الأفراد المصابين بالوسواس القهري أو حتى السخرية منهم بسبب هوسهم بالتفاصيل، وهو ما يشعرهم بالاحباط ويجعلهم مترددين في طلب العلاج، مما يؤدي إلى انعزالهم عن المجمتع بسبب سوء فهمهم.
لفت نظري أن عدد من الأطباء النفسيين في الشرق الأوسط يبالغون في تبسيط اضطراب الوسواس القهري، أو يمكن أن يشخصوه على أنه اضطراب آخر، حتى أنه من الممكن أن يفشلوا في استخدام الأساليب العلاجية المناسبة للاضطراب.
لاحظت أن الأفراد يمكن أن يقضوا ساعات من يومهم في القيام بطقوس تؤدي لتعطيل سير حياتهم اليومية.
4- اضطراب ما بعد الصدمة
لاحظت في الشرق الأوسط أن أغلب الأفراد ينظرون إلى اضطراب ما بعد الصدمة على أنه اضطراب يصيب الجنود نتيجة العنف الذي واجهوه، ولكنه في الحقيقة ينشأ بسبب العديد من التجارب المؤلمة كالحوادث والإساءة أو فقدان شخص عزيز.
كما أن بعض الأطباء النفسيين في الشرق الأوسط يمكن أن يسيئوا تفسير الأعراض، ويعتبرون اضطراب ما بعد الصدمة على أنه قلق أو اكتئاب، ويمكن أن يركزوا فقط على الأعراض الجسدية دون اللجوء لاستكشاف الأسباب النفسية، كما وجدت قصوراً في التدريب على الرعاية بحالة الصدمات.
كما رأيت أن غالبية الأفراد يعتبرون اضطراب ما بعد الصدمة مجرد ضعف يمكن التغلب عليه بسرعة مما يجبرهم على قمع مشاعرهم، ولكنه في الحقيقة بحاجة لدعم علاجي ضروري لأن الفرد يبقى في حلقة مفرغة من إعادة عيش التجربة الصادمة التي مر بها.
5- الاضطراب ثنائي القطب
يتميز اضطراب ثنائي القطب بتقلبات مزاجية حادة بين الهوس والاكتئاب، وقد لاحظت أن الأفراد في الشرق الأوسط يعتبرونه ردات فعل مبالغ بها، حيث ينظرون إلى نوبات الهوس على أنها وسيلة للفت الانتباه فقط، بينما يعتبرون نوبات الاكتئاب على أنها عبارة عن كسل.
غالباً ما يخطئ الأطباء النفسيين في الشرق الأوسط بتشخيص اضطراب ثنائي القطب على أنه قلق أو اكتئاب، كما أنهم يخلطون بين الهوس الخفيف والنشاط وزيادة الانتاجية، كما يميل غالبية الأطباء النفسيين إلى اعتبار اضطراب ثنائي القطب مرض وراثي بحت دون إعطاء الأهمية للعوامل البيئية، كما يمكن أن يتجاهلوا حاجة المريض للعلاج المستمر طويل الأمد.
للأسف يؤدي تفسير اضطراب ثنائي القطب بشكل خاطئ إلى عدم التشخيص والعلاج بشكل صحيح، وقد لاحظت إلقاء كبير باللوم على الأفراد بسبب سلوكيات لا يمكنهم التحكم بها، مما يؤدي إلى نوبات مزاجية أكثر حدة ومزيد من العزلة والعلاقات المتوترة.
6- الفصام
يعتبر الفصام مرض عقلي شديد أعراضه الأساسية الأوهام والهلوسة والتفكير غير المنظم، وقد لاحظت أن الأفراد في الشرق الأوسط يقومون بتفسيره بطريقة تقليدية دينية على أنه مس الجن أو جنون، وبدلاً من لجوئهم للأطباء النفسيين يقومون بالذهاب للمعالجين الدينين.
وبرأيي الشخصي فإن هذه المفاهيم الخاطئة عن مرض الفصام تؤدي إلى تأخر العلاج المناسب وبالتالي تفاقم الأعراض وانخفاض القدرة على العمل في الحياة اليومية وتعرض الأفراد للنبذ الاجتماعي.
كما يخطيء عدد من الأطباء النفسيين بتشخيص الفصام، فقد يقومون بالتركيز على أعراض الهلوسة والأوهام ويتجاهلون بقية الأعراض، كما يمكن أن يستخدموا استراتيجيات علاجية غير مناسبة، كما لاحظت إفراط باستخدام الأدوية على حساب التدخلات النفسية الاجتماعية، بالإضافة لإهمال علاج الحالات النفسية المصاحبة من قلق واكتئاب وتعاطي المخدرات.
التحرك نحو فهم أفضل
أعمل باستمرارفي الشرق الأوسط على زيادة التوعية والتثقيف حول الاضطرابات النفسية الشائعة وأعراضها مما يساعد في تشجيع الناس على طلب المساعدة.
كما أعمل على توفير العديد من الخيارات العلاجية سواء في العيادة أو من خلال العلاج عبر الانترنت لأجعل الوصول إلى العلاج أكثر سهولة.
وأحاول العمل مع علماء الدين وزعماء المجتمع لإنشاء نهج علاجي يحترم القيم الثقافية لتعزيز ودعم الصحة النفسية.
خلاصة المقالة
من المهم في الشرق الأوسط العمل على معالجة المفاهيم الخاطئة حول أعراض الاضطرابات النفسية وتوفير المعلومات اللازمة عنها، من أجل خلق بيئة داعمة للأفراد الذين يعانون من الاضطرابات النفسية، بحيث يشعر الأفراد بالأمان عند طلب المساعدة، وهو ما يؤدي للوصول للعلاج المناسب وتحسين سير الحياة.
المصادر والمراجع:
- Okasha, A. (2005). “Mental Health in the Arab World: A View from Egypt.” International Journal of Mental Health, 34(1), 56-69. doi:10.1080/00207411.2005.11043364.
- Kirmayer, L. J., & Jarvis, G. E. (2007). “Culturally Responsive Cognitive Behavioral Therapy.” Handbook of Cognitive Behavioral Therapies, 3rd ed., New York: Guilford Press.
- Al-Issa, I. (2000). “Does the Muslim Religion Make a Difference in Psychopathology?” Psychotherapy and Culture, New York: Taylor & Francis.
- Hassan, G., Kirmayer, L. J., Mekki-Berrada, A., et al. (2015). “Culture, Context and the Mental Health and Psychosocial Well-being of Syrians: A Review for Mental Health and Psychosocial Support Staff Working with Syrians Affected by Armed Conflict.” UNHCR.
- Grande, I., Berk, M., Birmaher, B., & Vieta, E. (2016). “Bipolar Disorder.” The Lancet, 387(10027), 1561-1572. doi:10.1016/S0140-6736(15)00241-X.
- Al-Adawi, S., Dorvlo, A. S., Al-Ismaily, S., et al. (2002). “Perception of and Attitude Towards Mental Illness in Oman.” International Journal of Social Psychiatry, 48(4), 305-317. doi:10.1177/002076402128783214.